تابعت مثل غيري ما تم نشرة من أخبار عن زفة بلدي جابت شوارع وأزقة إحدى القرى المصرية، يحمل فيها الأب فوق أعناقه ابنته التي طُلقت في ليلة زفافها، وهي تحمل شال أبيها الأبيض الناصع، وتلوح به يمينا ويسارا ويملأ وجهها الحيرة والخجل والانكسار والانتصار والدهشة والرهبة والفرحة والحزن فهي من ماتت باليل وأحيوها بالنهار.
“لأنها ليست بكراً”، هذا ما قاله العريس حين أرسلها في صباح عرسهم إلى منزل والدها مصحوبة باللعنات ومتهمة بالزنا وجلب العار والفضيحة للعائلة ولكل أقاربها.
إن الزوج الذي اتهم زوجته في أول ليلة عرس بينهما بإقامة علاقة جنسية خارج إطار الزواج كان من الممكن أن يفتك بها أو يقتلها بدلاً من تطليقها وفضحها وربما انهال عليها ضربا وسبابا وهو ذو العلة.
إنني أتخيل الساعات القليلة التي مرت على تلك الطفلة ثقيلة ومرعبة، فتخيل المشهد في حد ذاته يجلب الأسي والحزن علي أي نفس سوية.
فكم لطمة انهمرت خلفها الدموع دون أي جريرة؟!.. كم اتهام نزل عليها كالخناجر من أقرب الأقربين؟!!.. ماذا فعلن بها نسوة العائلة حين أنفردن بها بغرفة نوم أمها؟!
ماذا فعل أشقائها وأولاد عمومتها فور علمهم بخبر تطليقها لأنها ليست بكراً؟
نعم هي طفلة فلا تبتأسوا بما فعل بها زوجها العليل، فالحق والحقيقة إنني أحمد الله علي ما آلت إليه الظروف وتداخلت الأسباب ونجت تلك الطفلة من قتل محقق علي خلفية جرائم الكراهية والبغض وليست جرائم الشرف.
إن الشرف قد نزع عن أبيها الذي قبل ووافق وبارك وهنأ وجهز وأخذ يعد الشوار لعرس الفتاة التي لم تتجاوز السادسة عشر من عمرها.
فلتسقط عنه الولاية الشرعية والقانونية وليحاسب هو والزوج وكل من علم بارتكابهم تلك الجريمة ولم يمنعهم أو يبلغ السلطات عنهم.
إن المجرم الأوحد والوحيد هنا هو الأب غير الشريف وأنا أعي وصفه ونعته وأتحمل مسؤولية ما أقول
فقد خان ابنته ولم يجلب لها الأمان بل جلب لها الحرمان والمآسي وحرمها من حقها في التعليم وحقها في أن نتعم بصباها وشبابها الذي جني عليه قبل أن يأتي بعد.
وفقا للعادات والتقاليد للسكان الأصليين في ربوع قري ونجوع مصر في دلتاها وأعلاها وحدودها
تختزل معاني وقيم كلمة (الشرف) بين أرجل النساء وحسب، وأن كنت لا أناقش من قريب أو بعيد ماهية كشوف العذرية ولا المقال يسمح بنقد للأليات الوطنية المتأكلة المتهالكة التي لم تحدث أي تغيير أو أثر في الثقافة المجتمعية وفشلت حتي في جلب مكتسبات قانونية تحسن من أوضاع النساء والفتيات، واكتفين بالسير علي خطي من سبقهن وانشغلن في معارك كلامية أو إعلامية وناضلن في صناعة حملات توعية لسكان الكومبوندات وحسب.
إن المشهد المصور للأبنة وأبيها كان يمكن بكل سهولة أن يتحول إلى جنازة وليس زفة بلدي إن جاء تقرير كشف العذرية ناكراً لبكارتها.
لعل ما حدث مع تلك الطفلة يتحول إلى شعلة، تُيقظ ضمائر ماتت وألسنة عجزت وأيادي قُطعت أوصالها عن نجدة النساء والفتيات في مصر.
لعلنا الآن نتشابك ونشتبك سوياً نحو عقد اجتماعي جديد تكون فيه المرأة إنسانة وليست شيئاً آخر.
0 أضف تعليقs