علاء الجمل يكتب: رصاصة الرحمة للجنيه
على طريقة الخيول المصابة عقب سباق مرهق وسنوات خدمة طويلة تستعد الحكومة لإطلاق رصاصة الرحمة على الجنيه بعدما فشلت في محاولات إيقاف النزيف الذي لحق بالعملة الوطنية طوال أكثر من 8 سنوات. ففي اجتماع البنك المركزي اليوم يتوقع خبراء زيادة الفائدة 100 نقطة أساس، أو صدور قرار التعويم للمرة الثالثة وهي الرصاصة القاتلة التي أجلها حسن عبد الله محافظ البنك المركزي الجديد خلال اجتماعه الأول بعد تولي منصبه في أغسطس الماضي. لم تدخر الحكومة وسعاً في محاولات إنقاذ العملة لكنها وبدلاً من انتهاج خطة اقتصادية متكاملة تعزز من حجم الصادرات وتوفر العملة الصعبة الأمر الذي ينعكس على قيمة الجنيه، لجأت الحكومة إلى الفهلوة والشائعات بعدما تخيلت بسذاجة أن بإمكانها التعامل مع الملف الشائك بسيل من التصريحات غير المسئولة والتي لا تمت للواقع بصلة. وبدأ طارق عامر محافظ البنك المركزي السابق الفقرة الساخرة في مسرحية التعامل مع الأزمة عندما قال قبيل تعويم عام 2016 أن الدولار ستصل قيمته إلى 4 جنيهات وخلال أيام قفز الدولار من 8 إلى 17 جنيهاً، ما أثار موجة واسعة من السخرية داخلياً وخارجياً وعكس للعالم حجم التخبط الذي نعاني منه حينما سلمنا اقتصادنا إلى مجموعة غير مؤهلة، وعندما تمت مواجهة عامر بتصريحاته المضللة قال: كنت بهزر، وهو ما كان يستحق تحقيقاً عاجلاً مع إقالته من منصبه وقتها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لكن أحداً لم يحقق في المسألة وكأن الخطة المرسومة أكبر من طارق عامر. وواصلت الحكومة نهجها المعتمد على بث الشائعات وفي المقابل لم يتوقف نزيف الجنيه رغم أن الشاشات امتلأت بضيوف تحت مسمى "خبراء اقتصاد" يؤكدون أن الدولار خلال أيام لن يجد من يشتريه. وفي مارس الماضي اضطرت الحكومة إلى تعويم الجنيه للمرة الثانية فقفز الدولار من 15.5 إلى 17.5 جنيهاً وذلك بعدما حدد صندوق النقد الدولي القيمة العادلة للدولار أمام الجنيه لتفقد العملة المصرية خلال 8 سنوات ما يعادل 80 % من قيمتها. وفي منحنى درامي وكجزء من المسرحية الحكومية في التعامل مع المشكلة، رحل طارق عامر عن منصبه في أغسطس الماضي لكن حسن عبدالله محافظ البنك المركزي الجديد واصل خطته العبقرية معتمداً على الإعلام فقط ، حيث حدد مقدم البرامج وعضو مجلس الشيوخ المعين يوسف الحسيني يوم 15 سبتمبر موعداً لانهيار الدولار وصعود الجنيه لكن وكالعادة أصيب الجنيه بأزمة في اليوم المحدد وخرج من معركته أمام الدولار جريحاً كسيراً. وفي سيناريو إعلامي آخر للتعامل مع الموقف الحكومي الناتج عن سوء الإدارة ،جاءت تصريحات الإعلامي البارز عمرو أديب محذره من صعوبة المرحلة المقبلة وأن العام 2023 هو الأكثر شدة ، مطالباً الجمهور بالاستعداد لأيام قاسية مقبلة وهو حديث أقرب إلى الصحة ويتناسب مع حجم الفشل في إدارة ملف العملة. الخطير في الأزمة أن معظم السلع خاصة المستوردة شهدت إرتفاعاً في الأسعار تجاوز نسبة 30% ، ومن بينها سلع حيوية ومهمة مثل الأدوية، فبحسب رئيس شعبة الأدوية بلغت نسبة الزيادة في الأسعار عقب تجاوز الدولار حاجز 19.30 جنيهاً 20% لـ500 صنف تقريبًا. ووفقاً لتقديرات الخبراء ليس أمام البنك المركزي سوى إعلان التعويم الثالث إن عاجلاً أم آجلاً ،إما بمنطق الصدمة أو تدريجياً وفي الحالتين سيصاحب ذلك موجة من إرتفاع أسعار السلع سوف يكتوي بنيرانها البسطاء من المصريين. ما حدث ويحدث للعملة والاقتصاد ليس له علاقة مباشرة بالأزمات العالمية ، فكل بلاد الكوكب تشاركنا الأزمات لكن وحدها البلاد التي لديها حكومات رشيدة هي التي استطاعت القفز على التحديات وتخفيف حدة الصدمات على شعوبها.