علاء الجمل يكتب: الصحفيون ووعود البلشي
رصيد الديمقراطية الحقيقي ليس في صناديق الانتخابات فحسب بل في وعي الناس .. يقول جان جاك روسو.
قبل أيام شهدت نقابة الصحفيين ملحمة انتخابية عبرت فيها الجمعية العمومية عن رأيها ورؤيتها في المرحلة المقبلة، رافضه كل السيناريوهات التي رسمت خارج جدران مبنى النقابة الضخم بشارع عبد الخالق ثروت في قلب القاهرة، ذلك المبنى الذي أطل بهيبته مجدداً بعدما أزيلت عن واجهته ستائر كئيبة وضعت بدعوى الترميم لكن هدفها الحقيقي حجب النقابة عن المشهد لسنوات.
اختارت الجمعية العمومية خالد البلشي مع سبق الاصرار وتضمنت العملية الانتخابية تصويتاً عقابياً استهدف مرشح الحكومة خالد ميري حيث وجه الصحفيون رسالة استنكار ليس لشخص ميري بل للحكومة التي تجاهلت أوضاعهم المتردية، وفي ليلة حاشدة أعلنت اللجنة القضائية المشرفة على انتخابات التجديد النصفي للنقابة، عن فوز البلشي بمنصب النقيب، بـ 2450 صوتا مقابل 2211 صوتا لمنافسه ميري.
يعبر البلشي عن تيار الاستقلال النقابي الذي يضع ملف الحريات أولوية وهو ملف لاقى من الهوان الكثير خلال السنوات المنصرمة، بينما يمثل خالد ميري للصحفيين امتداداً لفترة تحجيم دور النقابة وفوزه يعني بقاء الحال على ما هو عليه وربما إطالة أمد ترميم الواجهة والتكميم لمدة إضافية ما استشعرت خطره الجمعية العمومية ، فمزيد من التهميش يعني مزيداً من التردي في أوضاع الزملاء والمهنة.
فور إعلان فوز خالد البلشي، وعملاً بمقولة السياسي البارع هارفي ميلك: «كن شجاعاً لو خسرت ووديعاً لو انتصرت»، سارع ميري بتهنئة النقيب وهي لفتة شجاعة ردها البلشي بمنشور على فيسبوك يحمل مفردات لطيفة حازت على إعجاب الصحفيين وكل المهتمين بانتخابات النقابة.
وكما نفضت النقابة عن مبناها الأكفان التي جهزت بها منذ سنين تمهيداً لدفنها ، نفضت أيضا عن مجلسها كل من شارك في وأد الحراك النقابي وتهميش المبنى المهيب بما يحمله من رمزية للصحفيين والشارع المصري.. فعلها أعضاء الجمعية العمومية متجاهلين إشارات الحكومة لهم بانتخاب مرشحها وزيادة بدل التدريب رافعين شعار: المهنة والخبز معاً.. فزيادة البدل حتمية لا تراجع فيها.
وفاز بعضوية المجلس في التجديد النصفي ، هشام يونس ومحمد الجارحي وعبدالرؤوف خليفة ومحمد يحيي يوسف ومحمود كامل وجمال عبد الرحيم من بين قائمة كبيرة من المرشحين أبرزهم ممدوح الصغير عمرو بدر وحسام السويفي وأبوالسعود محمد ووفاء بكري وسامي عبد الراضي وعيسى جاد وغيرهم من الأكفاء أصحاب البصمات المهنية والخدمية.
نجاح البلشي في الانتخابات جدد الأمل في نفوس الصحفيين في عودة الحراك النقابي بعد التجميد وهو ما يبدو دعماً للنقيب المعارض كما يصفه البعض خلال الفترة المقبلة لكنه في الحقيقة مسئولية كبيرة تتطلب من البلشي أن يتحسس أماكن قدميه فربما وضعت له العراقيل من نفس معسكره ، فالأجواء مواتية لأصحاب الشعارات المعارضة والتصريحات الرنانة حتى لو كانت نتائجها ليست في صالح الجماعة الصحفية.
الاختبار الأكثر حساسية الذي وضع فيه البلشي هو كيفية التخلي عن الشللية التي دفعت الصحفيين في فترة سابقة إلى تجرع الدواء المر وانتخاب أصحاب المصالح هرباً من أصحاب الشعارات والتنظير فانعكس ذلك على النقابة والجماعة الصحفية والمهنة التي باتت تلفظ أنفاسها الأخيرة بعدما توحدت مانشيتات الصحف وترسخ لدى المؤسسات الصحفية نهج البيانات الحكومية لا المعلومات والدفاع عن الحكومة بدلاً من الوقوف إلى جانب الشارع.
وعد البلشي بتحسين أوضاع الصحفيين بوضع حد أدنى للأجور والعمل على الإفراج عن المحبوسين بتهم من بينها نشر أخبار كاذبة، وإعادة النقابة إلى سابق عهدها منبراً للحريات وهي وعود طموحة للغاية تتطلب منه جهوداً مكثفة وكبيرة وآليات معينة ربما لا يجيدها البلشي ، فلا تزال الظروف المحيطة كما هي والطريق إلى تحقيق هذه الوعود ليس ممهداً كما يتخيل البعض.
لم يكن على البلشي أن يسرف في الوعود، ولا أن يطرح نفسه مخلصاً للجماعة الصحفية فكلنا يعلم أن ما وعد به صعب التحقيق والأخطر هو أن تمارس مجموعته لعبة الشعارات المعارضة بعد الفشل في تحقيق أية إنجازات ما يعود بنا إلى الوراء مرة أخرى.
يبقى أن نؤكد على أن الجمعية العمومية نجحت في الاختبار وعبرت عن إرادتها وعليها أن تقف خلف النقيب لتساعده على أداء مهامه وتحقيق تعهداته.. وأن تحاسبه على التقصير.