ماهي قوات الدعم السريع ؟.. وماعلاقتها بما يحدث في السودان
تتواصل الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم ومدن سودانية أخرى، في حين تتعالى الأصوات داخليا وخارجيا من أجل وقف القتال واللجوء إلى الحوار، وسط تحذيرات من تحول المواجهات الحالية بين الجيش والدعم السريع إلى حرب واسعة.
وتردد كثيرا منذ إندلاع الأحداث السودانية مصطلح “ قوات الدعم السريع ” الذي أصبح متداولاً على منصات التواصل الإجتماعي وجميع وسائل الأخبار العالمية لنتعرف عليه عن قرب تاريخياً وسياسياً وجغرافياً أيضاً .
تاريخياً
عرفت قوات الدعم السريع، التي كانت تسمى سابقا بقوات الجنجويد، باعتبارها قوات ذات طبيعة قتالية خاصة في المناطق الوعرة، واستطاعت تحقيق انتصارات بارزة على حاملي السلاح الذين قاتلوا النظام السابق، خاصة في مناطق دارفور وجبال النوبة، وعرف عن أفرادها إجادة القتال في الجبال وإدارة حروب العصابات بامتياز، الأمر الذي مكّنها من وأد التمرد في دارفور بعد سنوات قليلة من تشكله.
و يرجع كثيرون من المراقبين ظهور الميليشيات القبلية في السودان إلى الفترة الانتقالية التي أعقبت سقوط الرئيس جعفر النميري في العام 1985 وتشكيل حكومة انتقالية برئاسة المشير عبد الرحمن محمد حسن سوار الذهب، ينسب لها البدء في تسليح بعض القبائل ذات الأصول العربية في إقليم كردفان، المعروفة بـ "المراحيل" لمعاونة الحكومة الانتقالية في حربها مع تمرد جنوب السودان وحماية الحدود مع غرب البلاد المتاخمة لحدود الجنوب، وامتد الأمر إلى حكومة الصادق المهدي المنتخبة في الفترة من 1986، وأصبحت هذه الميليشيات، إلى جانب دورها في حماية قبائلها، تقدم مساندة فعالة للقوات المسلحة في حربها ضد جيش الحركة الشعبية لتحرير السودان بالجنوب، بزعامة جون قرنق وقتها، بخاصة في مناطق بحر الغزال وأعالي النيل المتاخمة لدارفور، وقد توسع نظام الرئيس المعزول عمر البشير في استخدام هذه التشكيلات شبه العسكرية في عام 1994.
ظهورها وتشكلها
وتشكلت النواة الأساسية لهذه المجموعة المسلحة من أبناء إقليم دارفور، والتي سرعان ما انضم إليها لاحقا مجموعة من أبناء الولايات الأخرى، وهي القوات ذاتها التي أسندت إليها مهام قتال الحركات المسلحة في إقليم دارفور الملتهب عام 2003م، حيث تمكنت قوات الدعم السريع في وقت وجيز من هزيمة الحركات التي تقاتل نظام الخرطوم، حيث انتصرت في معركة (البعاشيم) في العام 2014م ثم في المعركة التي دارت بمنطقة قوز دنقو بجنوب دارفور في 2015م وكانت تلك المعركة بمثابة قاصمة الظهر لقوات العدل المساواة التي يقودها جبريل ابراهيم والتي مازالت تحمل السلاح حتى الآن، حيث تم إبادة الكثير من قواتها وأسر المئات في هذه المعركة.
ولا يمكن فهم طبيعة قوة الدعم السريع، إلا بالنظر لتاريخ مأسستها، والتي كانت تشكل قبل ذلك مجموعة مسحلة غير نظامية تُعرف بـ الجنجاويد"، وهي القوات سيئة السمعة التي اتُهمت سابقا بجرائم حرب نفذتها في عدد من المناطق السودانية، الأمر الذي اضطُرّ معه البشير لإعادة هيكلة تلك القوات ونزع صفة القبلية عنها، ومأسستها ضمن أجهزة الأمن تحت مُسمّى قوات الدعم السريع في العام 2013م، وذلك بقوه قوامها سبعة آلاف مقاتل طبقاً لتصريحات سابقة لقائدها الفريق أول محمد حمدان دقلو حميدتي.
معارك طويلة
وبعد تلك المعارك الطويلة، أضحت قوات الدعم السريع أكثر شهرة وتأثيرا، وتستمد قوتها مباشرةً من الرئيس عمر البشير، الذي ظل يغض الطرف عما يتردد عن انتهاكات جنودها المستمرة، وتذمر ضباط الجيش من قلة انضباط جنودها والتأثير السالب لهذه القوات على ميزان القوة واستقرار البلاد، ليكون غض الطرف ذلك أشبه بلعبة مقصودة من عمر البشير، والذي سار على توازنات دقيقة بين القوى المسلحة في الداخل السوداني، وليبرز نفسه كناظم لهذا الشتات المسلح.
كما توسعت مهام الدعم السريع محققةً انتشارا واسعا في كافة ولايات السودان، كما جرى إعادة تنظيمها عبر ثلاثة قطاعات رئيسية، أهمها قطاع الخرطوم في مناطق (طيبة – شمال الخرطوم)، (والخرطوم 2 بوسط العاصمة)، (وضاحية المنشية بالعاصمة الخرطوم). وتم تسليحها بكافة أنواع الأسلحة الثقيلة من بينها مضادات للطائرات والمدافع، وخلال العاميين الماضيين تمكن الدعم السريع من تخريج سبع دفعات عسكرية، تضم الدفعة الواحدة نحو ألف جندي .
رصيد قوات الدعم السريع في وأد المعارضات الداخلية، جعل لها ثقلا أمنيا وعسكريا في الساحة السياسية السودانية وهو ما جعل العديد من القوى الداخلية والدولية تسعى لخطب ودها، ورغم عدم خبرة هذه القوات فيما يتصل بإدارة الأحداث داخل المدينة، إلا أن الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها السودان، وما تلاها من أحداث وتقلبات سياسية شهدتها العاصمة الخرطوم، والتي أطاحت بالرئيس البشير، رسمت دورا جديدا لقوات الدعم السريع، والتي سُرعان ما تمركزت، ومنذ اليوم الأول للاعتصام بالمواقع الإستراتيجية للدولة، ونجحت في تأمينها بامتياز دون استخدام عنفها المعهود في حسم الصراعات. فضلاً عن ذلك، رفضت قوات الدعم السريع المشاركة في فض الاعتصام بالقوة رغم التوجيهات الصادرة حينها من الرئيس المعزول عمر البشير، ليقرر قائدها، الفريق أول ركن محمد حمدان دقلو حميدتي، الانحياز للشارع السوداني.
القائد دقلو
اختارت السلطات محمد حمدان دقلو المعروف منذ صغره بلقب "حميدتي"، والمولود عام 1975 في قبيلة الرزيقات، قائداً لقوات الدعم السريع، بعد أن كان قد تحول إلى عسكري في مرحلة سابقة ضمن قوات حرس الحدود، وكان" حميدتي" قد تخلى عن الدراسة باكراً في سن الـ 15 وانخرط في تجارة الإبل والقماش بين السودان وليبيا ومصر عبر الصحراء وأخيراً في حماية القوافل، وعُرف بقيادة مجموعات شبابية لحماية وتأمين القوافل وردع قطاع الطرق واللصوص، وقد تمكن خلال ممارسته تجارة الأبل والأقمشة بين السودان وليبيا ومصر من جمعِ ثروة مقدرة أسس بها لاحقاً ميليشيا مسلحة سرعان ما اشتهرت بمواجهتها وملاحقتها حركات التمرد والنهب المسلح وقطاع الطرق بصورة لفتت انتباه الجهات الرسمية في المركز التي كانت تسعى أصلاً إلى تجييش القبائل في تحالفات لمواجهة حركات التمرد في دارفور.
وواصل حميدتي طريقه في التجارة وحماية القوافل بحكم خبرته التي اكتسبها في قتال العصابات بمواجهة ومطاردة الحركات المسلحة في دارفور، فسطع نجمه بوضوح، وقررت حكومة الخرطوم الاستعانة به ضمن تجنيد قوات شعبية من الموالين للنظام واختارته قائداً لتلك القوات التي سرعان ما تطورت تدريجاً مع تنامي دورها وعددها فتمت هيكلتها لتصبح ذات طابع قومي واختير لها في ما بعد اسم قوات الدعم السريع.
بروز دولي وإقليمي
ومع بداية "عاصفة الحزم" في اليمن ضد الحوثيين في 2015، قررت الحكومة السودانية وقتها إرسال قوات من الجيش والدعم السريع للاشتراك بالحرب في اليمن في صفوف القوات السعودية والإماراتية، ما فتح آفاقاً لقائد قوات الدعم السريع "حميدتي" بإقامة علاقات مع القوى الخليجية، وكان المنعطف الأبرز لتلك القوات في 18 يناير2017، حين أُقرّ البرلمان وقتها (المجلس الوطني) قانون قوات الدعم السريع الذي يمحنها قدراً من الاستقلال كقوة عسكرية، على رغم القلق الذي كان يساور بعض القيادات العسكرية من تلك الوضعية، وعلى رغم نص القانون على تبعيتها للقوات المسلحة، لكن رأت القيادة العليا للبلاد حينذاك أن يكون الدعم السريع تابعاً لرئيس الجمهورية بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة.
ومع تصاعد الاحتجاجات الشعبية ضد البشير في أبريل 2019، استدعى الرئيس المعزول قوات الدعم السريع في محاولة للسيطرة على الاحتجاجات، لكن المفاجأة كانت بعد وصول طلائع هذه القوات إلى مشارف ولاية الخرطوم وأعلن قائدها "حميدتي" رفض مشاركتها في قمع التظاهرات.