علاء الجمل يكتب: أنا وحسن الألفي وعزت حنفي
رن جرس هاتف المكتب بمقر جريدة صوت الأمة القديم وهو فيلا كلاسيكية عتيقة في المهندسين بالقرب من ميدان لبنان، حدث ذلك قبل 17 عاماً ودوى صوت من الريسبشن ينبهني بضرورة الرد على التليفون.
رفعت السماعة فجاءني من الطرف الآخر صوت هادئ وقور: “الأستاذ علاء مساء الخير، رديت: مساء النور، مين معايا ؟ رد: أنا اللواء حسن الألفي”.. سرحت لأقل من الثانية وعصفت بذهني التساؤلات، ماذا يريد وزير الداخلية السابق؟ وما هي القضية التي نشرتها وتمسه هو أو أحد المقربين منه؟ كنت وقتها رئيساً لقسم التحقيقات ومسئولاً عن الملف الأمني وكل القضايا التي ننشرها تمس رجال الأمن والسياسيين الكبار، فما هو الموضوع الشائك الذي دفع الألفي إلى الاتصال؟.
قطع سيل التساؤلات صوت وزير الداخلية السابق مشيداً بما أكتبه فشكرته وذكرت له كيف أن أهالي أسيوط لا يزالون يتذكرون جهوده وقت أن كان محافظاً فتبدل صوته الجاد وبدا كأنه يتكلم إلى أحد معارفه وسألني عن الناس هناك وأحوال المحافظة فأخبرته بما يحب أن يسمع حتى أزيل عن المكالمة الطابع الرسمي، وقد كان.
سألني وزير الداخلية السابق عن علاقتي بأسرة عزت حنفي الملقب بإمبراطور النخيلة، فقلت له إنها جيدة فقد انفردت بأول حوار مع عزت من داخل قفص الاتهام عقب القبض عليه، وأسرة عزت تثق فيما أكتبه وتخصني بالتصريحات والمستندات والصور، فقال: “عارف ومتابع القضية، ثم تحدث معي عن حوار أجريته مع والدة إمبراطور النخيلة ونشر في العدد الأخير، حيث قالت إن لديها قائمة بأسماء اللواءات الذين تعاملوا مع عزت ووالده ودعموهما لسنوات”.
فهمت على الفور ما الذي دفع اللواء حسن الألفي إلى الاتصال فقد تصور أن والدة عزت منحتني القائمة وأنني أعتزم نشرها، وتحدث معي وزير الداخلية السابق عن ظروف وملابسات التعامل مع إمبراطور النخيلة وقت أن كان الإرهاب يستشري في جسد الوطن وكانت الأجهزة تحتاج إلى دعم الأهالي في الصعيد لمواجهة المتطرفين الذين اتخذوا من زراعات القصب والجبال في الجنوب ملاذاً آمناً وأرهقوا قوات الأمن بحروب العصابات.
اعترف اللواء الألفي رحمه الله بكل شجاعة بمساندة عزت حنفي خلال توليه الوزارة ضمن جهود مواجهة الإرهاب وقال إن الاستعانة بالأهالي ومنهم بعض الخارجين على القانون كان مهماً في هذه الحرب.
انتهزت الفرصة وطلبت من اللواء حسن الألفي حواراً يتحدث فيه عن ملابسات وأسرار هذه الفترة وهو الرجل الذي التزم الصمت منذ خروجه من الوزارة عقب حادثة الأقصر الشهيرة عام 1997، فقال إن الكلام عن هذه الفترة العصيبة حساس للغاية والظروف غير ملائمة للحديث عنها، ووعدني بحوار شامل حال تهيأت الظروف للكلام عن سنوات مكافحة الإرهاب.. وانتهت المكالمة.
مكالمة وزير الداخلية السابق أكدت لي صدق أقوال عزت حنفي في حوار انفردنا به أنا وصديقي الكاتب الصحفي محمود الضبع مع إمبراطور النخيلة أثناء محاكمته حيث لفت إلى محاولة الأجهزة التخلص منه بعد انتهاء الحرب على الإرهاب.
أكد عزت أنه تعاون بإخلاص مع الأمن وأنه يستحق التكريم لا التجريم ونفي جميع الاتهامات التي نسبت إليه باستثناء حيازة الأسلحة.
تضمن ملف اقتحام النخيلة تفاصيل غريبة تحمل بعض المبالغة أبرزها حجم القوات التي داهمت منزل عزت حنفي والتي تجاوزت 5000 جندي من فرق القوات الخاصة والأمن المركزي وهو عدد يكفي لمواجهة جيش بأكمله وليس مجموعة من الخارجين على القانون.
والأكثر غرابة هو حجم المعلومات التي أتيحت لوسائل الإعلام والتي كان مرحباً بها لتغطية الحدث على غير العادة في مثل هذه الظروف.
لم يكن عزت حنفي الوحيد الذي تاجر في المخدرات والأسلحة لكنه الوحيد الذي ربطته علاقات قوية مع الأجهزة ومن هنا تم التخطيط للتخلص منه وغلق الملف الشائك.
وقبل 17 سنة، وبالتحديد يوم 18 يونيو 2006 أسدل الستار على قضية عزت حنفي بتنفيذ حكم الإعدام الصادر ضده وشقيقه حمدان لتدفن معهما أسرار القضية.