عبدالفتاح عبدالرازق يكتب:
القرآن والساعة الحرجة فى الصراع بين الحق والباطل
يَقول مولانا الشيخ مُحمد الغزالى – رحمه الله - :
إذا احتدمت المعركة بين الحق والباطل حتى بلغت ذروتها، وقذف كلُّ فريقٍ بآخر ما لديهِ ليَكسِبَهَا، فهناك ساعةٌ حرِجة يبلُغُ فيها الباطِلُ ذروة قوته، ويبلُغُ فيها الحق أقصى محنته، والثباتُ فى هذه الساعةِ الشديدة هو نقطة التحول، وهو الإمتحان لإيمان المؤمنين.
فإذا ثبت أهلُ الإيمان تحول كلُّ شئٍ عندها لصالحهم، فيبدأُ الحقُّ طريقهُ صاعدا، ويبدأُ الباطل طريقه نازلا، وتُقرَّرُ- بسم الله – النهاية المرتقبة: ( وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ) الصافات الآية 173.
وكذلك: ( كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ) سورة المجادلة الآية 21.
وما قاله الغزالى – رحمهُ الله - عن تلك الساعة الحرجة له شواهِدُ كثيرة فى القرآن الكريم منها:
ما حدث فى الصراع بين حقِّ طالوت والفئة المؤمنة وباطِلِ جالوت حيثُ ثبتت الفئةُ المؤمنة ونادت:
( رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) فجاء النصرُ عَقِبَ الثبات، قال الله عز وجل: ( فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ ) " سورة البقرة الآية 250 وجزء من الآية 251 ".
وفى الصراع بين حق موسى – عليه السلام – ومن آمن معه وباطل فرعون وهامان وجنودهما لما قال أصحابُ موسى: ( إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ) الشعراء الآية 61، فقال موسى بثبات المؤمن: ( كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ) الشعراء الآية 62، فكانت المعجزة} فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64) وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (66) { من سورة الشعراء.
وفى حدث الهجرة المباركة عندما تحلق كفارُ مكة حول الغار، خاف أبو بكرٍ على رسولِ الله – صلى اللهُ عليه وسلم – وقال: ( لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه ) فرد عليه سيد الثابتين على الحق: ( لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) جزء من الآية 40 من سورة التوبة.
وأحسب أن ما يحدث ما فى غزة وفى كل أرض فلسطين الآن يمثل ذروة الصراع بين حقٍ ثابتٍ قوى يمثله هؤلاء المستضعفون الأقوياء، وباطلٍ جبانٍ يستقوى على الضعفاء المدنيين بكل ما أوتىَ من آلةِ حرب وصدق الله } لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10) { سورة التوبة.
هى ساعةٌ حرجةٌ إذن مطلوبٌ من أهلِ الإيمانِ فيها أن يواصلوا الثبات أمام باطل اليهود ذى القوة المزيفة المستعارة أمريكيًا وغربيًا والتى لولاها لتزلزلت إسرائيلُ زلزالًا شديداً.
ولمصطفى صادق الرافعى – رحمه الله – كلماتٌ صادقات فى ثبات الحق وضعف الباطل يقولُ فيها: ( الباطل لا تأتيه القوة من طبيعته، بل تأتيه القوة من جهة أخرى فتُمسِكُهُ أن يزول، فإذا هى تراخت وقع، وإذا زالت عنهُ اضمحل، أما الحق فثابِتٌ بطبيعته قوىٌ بنفسه).
وما تقوم بِهِ المقاومة الباسلة من بطولات لهو من بشريات النصر التى بشر بها القرآن:
} الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) آل عمران.
ومن تلك البشريات أيضا بدءُ انسحابٍ متدرج من غزة قام به لواء جولانى اليهودى لما تكبده من خسائر فادحة من رجال المقاومة الباسلة.
فثباتًا يا أهلَ غزة، وثباتًا يا كُلَّ مقاوم فالنصرُ قادم، والتمكينُ فى أرضكم هو هدية الله لكم جزاءَ صبركم وصدق الله: } وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ ) سورة القصص جزء من الآية 6.