عبدالفتاح عبدالرازق يكتب:
مِنْ وَحْىِ القُرآنِ: إنَّا لَمُنتَظِرُون، إنَّا لَمُتَرَبِّصُون، إنَّا لَمُرتَقِبُون
ثلاثُ كلمات فى لغة القرآن وردت فى مواضع مختلفة إلا أن معانيها متقاربة الدلالة: الانتظار – التربُّص – الترقُّب.
قال الله – تعالى -: ﴿ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ ﴾ " سورة يونس"، جزء من الآية 20 "،
وقال الله – تعالى -: ﴿ قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ ۖ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا ۖ فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ (52) ﴾ " سورة التوبة "، وقال – سبحانه وتعالى -: ﴿ فَارْتَقِبْ إِنَّهُم مُّرْتَقِبُونَ (59) ﴾
" خاتمة سورة الدخان ".
فالمعنى المشترك بين الكلمات الثلاث هو انتظار إهلاك الله للظالمين مع الصبر والعمل الجاد بعيدًا عن الركون إلى الدَعَةِ وانتظار المعجزة، والسعى الحثيث لإدراك النصر.
وبمناسبة ما يحدث فى غزة الأبية، يعجب المرء عندما يسمعُ وسط هذه البشائر من النصر على هذه الأرض المباركة مَنْ يتكلم عن غزة ما بعد حماس مرتقبًا سقوط هذا الكيان المبارك المدافع عن غزة بل عن الأمة كلها، ولكنه منطق الظلمة والظالمين، وهذا ما يوحيه قولُهُ – تعالى-: ﴿ إِنَّهُم مُّرْتَقِبُونَ ﴾ أى إنهم ينتظرون ويرتقبون زوال هؤلاء المقاومين بل زوال غزة وأهلها، ولكن كل هذه الُترَّهات الخادعة لن تَفُتَّ فى عَضُدِ هؤلاء الصامدين وهم يواجهون من يتكلم بمنطق قومِ عاد:
﴿ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ﴾ " جزء من الآية 15 من سورة فُصِّلَت " وإنَّا لمرتقبون مع أهل غزة هلاك هؤلاء كما أهلك الله عاد ﴿ وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَىٰ لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ (8) ﴾ " سورة الحاقة ".
ولِتَجلِيَةِ معانى تلك الكلمات الثلاث أكثرَ وأكثر نرجِعُ إلى لُغَتِنا السمحة وآياتِ قرآنِنَا العظيم، فعند الراغب الأصفهانى صاحب المفردات فى غريب القرآن فى مادة ( نَظَرَ ): النظر تقليب البصر والبصيرة لإدراك الشىء ورؤيته، والنظر الانتظار يقالُ: نَظَرتُهُ وانتظرتُهُ وأنظرته، وقال فى مادة ( صَبَرَ): و يُعَبَّرُ عن الانتظارِ بالصبرِ لمَّا كانَ حقُّ الانتظار ألا ينفكَّ عن الصبر بل هو نوعٌ من الصبر قال الله – تعالى-: ﴿ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ ﴾ " جزء من الآية 48 من سورة القلم "، والمعنى انتظر حُكمَهُ لَكَ على الكافرين.
والتربُّص انتظارٌ مع صبرٍ وعمل نفهم ذلك من قوله- تعالى-: ﴿وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا﴾
فكلمة بأيدينا تعنى انتظار وقوع البلاء بأعداء الله مع الصبر والعمل والأخذ بالأسباب، وذلك أيضًا ما نفهمُهُ من قوله – تعالى -: ﴿ قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا ۖ فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَىٰ (135) ﴾ " من سورة طه ".
وكلمة التَرَقُّب والارتقاب أيضًا تعنى انتظارٌ مع صبرٍ وعمل قال الله – تعالى – فى قصة سيدنا صالح لما سأله قومُهُ الكافرون أن يُخرج لهم من صخرَةٍ ناقةً حمراء عُشَرَاء: ﴿ إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27) ﴾ " سورة القمر"،
( فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ) قيل اصطبر حتى يُهلِكَهُم الله أو اصطبر لما قد يصيبك من أذاهم، وجاء فى لغتنا أيضًا أن الارتقاب يأتى بمعنى رفع الرقبة وذلك يعنى أن المُرتَقِب يكونُ دائما رافِعَ الرقبة كنايةً عن الاستعداد الكامل والتهيئةِ المستمرة للعملِ بلا تخاذل.
وبفضل الله هذا ما يقومُ به المقاومون الأبطال من انتظارٍ وتربُّصٍ وتَرَقُّب فيجاهدون أعداء الله اليهود ومن عاونهم بهذه الروح القرآنية التى تنعبثُ من تلك الكلماتِ المباركة وياليتَ أُمَّتَنَا تتعلمُ منهم.
فغزةُ باقيَةٌ بأمرِ الله ثُمَّ بتلك الدماء الباقية التى خضَّبَت أرضها ثمنًا للحريةِ والنصر، وصدق أميرُ الشعراء حين قال:
وللحريةِ الحمراءِ بابٌ بِكُلِّ يَدٍ مُضَرَّجَةٍ يُدَقُّ
فاللهم إنا لمنتظرون، وإنا لمتربصون، وإنا لمرتقبون هلاك اليهود ومن عاونهم، ومن والاهُم، ومن سَكَتَ عن إجرامِهِم فإنك القوىُّ وهُم لا يُعجزونَكَ ياربَّ العالمين، وقد قُلتَ لحبِيبِكَ – صلى الله عليه وسلم – عن اليهود:
﴿ فَإِنَّا عَلَيْهِم مُّقْتَدِرُونَ ﴾ " جزء من الآية 42 من سورة الزُخرُف".
فاللهم أرِنَا فِيهِم عجائِبَ قُدرَتِك آمين.