الإسراء والمعراج.. فرحٌ غامر وحزنٌ كئيب ( 2-2 )
انتهينا فى لقائنا السابق إلى ما قاله مولانا الشيخ الغزالى – رحمه الله – " تأتى ذكرى الإسراء والمعراج كل عام ومشاعرنا مذبذبة بين الفرح الغامر والحزن الكئيب ".
فما مصدر هذا الفرح الغامر ؟ وما سبب هذا الحزن الكئيب ؟
الفرح الغامر بذكرى الإسراء والمعراج مصدره أننا عرفنا من هذه الرحلة المباركة ( أرضية وسماوية ) مكانة نبينا – صلى الله عليه وسلم – عند ربه حيث طوى الله له المكان والزمان، وأراه فى هاتين الرحلتين ما لم يُرِه لأحد من النبيين والمرسلين من قبل.
ففى رحلة الإسراء أراه الله الكثير من الآيات وختمها له بإمامة الأنبياء والمرسلين فى المسجد الأقصى إيذانًا بانتقال القيادة الروحية للعالم من بنى إسرائيل الذين أهانوا وحى الله وقتلوا النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون إلى بنى إسماعيل ممثلين فى خاتم الأنبياء والمرسلين – صلى الله عليه وسلم -ولهذا اشتعل غضب اليهود لهذا التحول مما دعاهم إلى المسارعة بانكاره: ﴿ بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ﴾ "جزء من الآية 90 بسورة البقرة".
ثم كانت الرحلة العلوية إلى سدرة المنتهى، وتكريم النبى – صلى الله عليه وسلم – فى كل سماء يمر بها "مرحبًا بالأخ الصالح، والنبى الصالح"، وعند سدرة المنتهى يكون التكريم الذى ما بعده تكريم حينما يطلعه الله على الجنة ونعيمها، والنار وعذابها: : ﴿ عَـٰلِمُ ٱلۡغَیۡبِ فَلَا یُظۡهِرُ عَلَىٰ غَیۡبِهِۦۤ أَحَدًا ٢٦ إِلَّا مَنِ ٱرۡتَضَىٰ مِن رَّسُولࣲ ﴾ "سورة الجن الآية 26 وجزء من الآية 27".
مُحمدٌ – صلى الله عليه وسلم – هو النبى الكريم الوحيد الذى يؤمن أتباعه بالغيب بإخبار الله ثم بمشاهدة رسوله – صلى الله عليه وسلم – لهذا الغيب.
هذا كله مصدر فرح، ثم يكون الفرح الأكبر بفرض الصلاة مباشرة من رب العالمين لحبيبه – صلى الله عليه وسلم – ثم المنة بجعلها ( خمسًا فى الأداء، وخمسين فى الأجر ).
يرجع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بهذه الهدية الربانية لتكون معراجًا للمؤمن، ومصدر سعادة وراحة نفسية "أرحنا بها يا بلال"، ومن مصادر الفرح فى هاتين الرحلتين أنهما أبانتا لنا كرامة هذه الأمة عند ربها سبحانه وتعالى، وأنها أمةٌ مصطفاه، أمةٌ تتعبد اللهَ بآخر رسالات السماء إلى الأرض، وهذا سر خيريتها:
﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ "سورة آل عمران جزء من الآية 110".
نأتى أخيرًا إلى سبب الحزن الكئيب وهو هذا الواقع الأليم الذى تعيشه أرض الإسراء والمعراج منذ ما يُقارب الثمانين عامًا، وهذا الظلم الذى يحيط بالمسجد الأقصى تُحدِثُه شرذمة ملعونة من أبناء القردة والخنازير.
كانت ثالثة الأثافى – كما فى المثل العربى القديم – ما أحدثه اليهود – عليهم لعنات الله – فى غزة وأهلها على مرأى ومسمع من العالم الذى سقطت أقنعته الزائفة من قتل وتدمير وتشريد وتهجير وإبادة جماعية للإنسان والبنيان.
هذا الحزن مصدره أيضًا ما نراه من حال أمتنا المشتتة التى لا يخلو قطر منها من الدمار والخراب بأيدينا وأيدى غيرنا: ﴿ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ ﴾ "سورة الحشر جزء من الآية 2"، وهذا كان فى بنى إسرائيل إلا أن بعض أمراضهم انتقلت إلينا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وختامًا فإننا نستلهم من الإسراء والمعراج الأمل، والفرج بعد الشد، واليسر بعد الإعسار، ويبعث فينا هذا الأمل هؤلاء المرابطون فى غزة وما حولها الذين يسطِّرون أنقى صور البطولة على أرض الإسراء والمعراج.
فاللهم نصرًا مؤزرًا عاجلًا غير آجل، واحتفالًا بذكرى الإسراء والمعراج عامَنَا القادم بفرح غامر لا بحزن كئيبب.