عبدالفتاح عبدالرازق يكتب:
لا يَجْتمعان.. استقبال رمضان واستدبار غزة
على وقع تلك المجاعة المفروضة صهيونيًا على أهل غزة والتى يتساقط بسببها كل يوم أطفال رضع وشيوخ ركع ونساءأهلكهن هذا الجوع وشباب نحلت أجسادهم وضعفت.
نستقبل هلال رمضان الذى يأتي هذا العام لكى يُرجع إلى المسلمين هذا الإحساس بالجوعى الذين لا يجدون ما يأكلون ولا ما يشربون، وإذا خفوا سراعًا لاستقبال مساعداتٍ، قصفهم العدو الغادر النذل بالنار فماتوا ببطونٍ خاوية، وغير بعيد ما حدث صباح الخميس فى شمال غزة إلا أن الحكمة الإلهية من وراء ذلك لا تستطيع عقولنا القاصرة أن تحيط بها أو ببعضها علمًا.
يُصَبِّرُنا قولُ اللهِ تعالى: ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ﴾ "سورة الأنعام جزء من الآية 112"، وقوله تعالى:
﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) ﴾
"سورة البقرة"، وقوله صلى الله عليه وسلم: ( يُبتلَى الرَّجلُ على حسْبِ دِينِه ، فإن كان دِينُه صُلبًا اشتدَّ بلاؤُه) .
وقوله تعالى للصائمين يوم القيامة: ﴿ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24) ﴾ "سورة الحاقة".
فسلامًا على غزة وأهلها أطعمكم الله من جوع، وآمنكم من خوف.
الآن وقد قارب رمضان ماذا ستفعل أمة الصيام والقيام أتستقبل غزة أم تستدبرها ؟
هناك فى سنته الشريفة موقف له – صلى الله عليه وسلم – عندما رأى ناسًا من أمته من مُضر حينما جاءوه فى صبيحة يوم من الأيام تظهر عليهم علامات الفقر والفاقة يضعون على أجسادهم مِزَقًا لا تكاد تسترها حتى لكأنهم عرايا كما تقول رواية - الإمام مسلم – فماذا فعل رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ؟
تقول الرواية كان - صلى الله عليه وسلم - من شدة غضبه يقوم ويقعد، ويدخل ويخرج ثم أمر بلالًا أن يؤذن فى الناس، فأذن بلال، واجتمع الناس ثم صعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – منبره ( فالأمر شديد ) ثم خطب فى الناس خطبة كان فيها الحل لما رآه، وابتدأ النبى – صلى الله عليه وسلم – خطبته بمفتتح سورة النساء وكأنه يخاطب فى الناس إنسانيتهم أولا: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا(1) ﴾
ثم تلا قوله تعالى من سورة الحشر: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19) لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۚ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) ﴾.
الرسول – صلى الله عليه وسلم – بعد أن خاطب فى الناس إنسانيتهم خاطب أهل الإيمان الذين لا يسكتون عن مسغبة وفقر يصيب اخوانهم فى الدين.
ثم قال – صلى الله عليه وسلم - :
أَلاَ، فليتصدق رجلٌ من ديناره، من درهمه، من صاع بُرِّه، من صاع تمره، إلى أن قال: ولو بشق تمره.
فماذا فعل أصحابه – رضوان الله عليهم - ؟
تقول الرواية: فجاء رجل من الأنصار بصُرَّة كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت، ثم تابع الناس حتى تجمع كُومان من ثياب وطعام أمام النبى – صلى الله عليه وسلم – فتهلل وجه النبى – صلى الله عليه وسلم – لما رأى استجابة دعوته.
هكذا تعاونت الأمة، وهكذا أغاثوا ملهوفًا يستنجد بهم فرضى الله عنهم أجمعين.
أَقبِل هلال رمضان لكي تبعث فى الأمة طاقاتٍ بها تتغلب على أعداء الله وأعدائنا.
أَقبِل هلال رمضان لتبعث فى الأمة الاستمساك بحبل الله المتين.
أَقبِل هلال رمضان لتستدبر الأمة الخذلان لأهل غزة، وتستقبل الإغاثة لهم رعاية لأمانة المسجد الأقصى والمرابطين حوله.
أَقبِل هلال رمضان وقد ولَّت الأمةُ وجوهها شطر غزة الأبية الصامدة الصابرة.
وإلى لقاء .....