عبدالفتاح عبدالرازق يكتب:
الجنة ثَمَنُهَا عملٌ مقبولُ
ونحن على مقربة من شهر القرآن شهر الصيام، وهو من المواسم الكبرى للطاعة والأعمال الصالحة التى يتقرب بها المسلم إلى ربه نَلفِتُ الأنظار إلى أمر بالغ الأهمية وهو موضوع قبول العمل.
فى الحديث الشريف: " إنه لن يُدخلَ أحدًا عملُهُ الجنةَ، قالوا: ولا أنت يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ولا أنا إلا أن يتغمدنى الله برحمته".
يعنى الرسول – صلى الله عليه وسلم – إلا أن يرحمنى الله فيتقبل عملى.
ولإمامنا على – كرم الله وجهه - : " كونوا على قبول العمل أشد اهتمامًا منكم بالعمل، ألم تسمعوا قول الله – تعالى – ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ " سورة المائدة جزء من الآية 27 ".
من هنا يجب أن يقف المسلم مع نفسه قبل أى عمل ويسأل: هل يقبل الله منى هذا العمل ؟
لأن المدار على قبول الله للعمل، أما إذا لم يتقبل الله العمل فما قيمته ؟ إنه – حينئذٍ – يكون هباءً منثورًا.
ويكون صاحبه من الأخسرين أعمالًا كما جاءَ فى قول الله تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) ﴾ " الكهف".
وقضية قبول العمل – لأهميتها – كانت تشغل بال الأنبياء والمرسلين كما جاء فى حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – السابق.
وفى القرآن الكريم نجد الرسولَين الكريمَين إبراهيم وابنه إسماعيل وهما يبنيان أشرف بيت وأكرم بناء وُضع لعبادة الله يَدْعُوان الله بهذا الدعاء: ﴿ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ "ختام الآية 127 بسورة البقرة".
وفى سورة آل عمران نجد هذا الدعاء الضارع من امرأة عمران: ﴿ إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) ﴾.
ولأنها أخلصت دعاءها وعملها لله امتنَّ الله عليها بالقبول، قال الله: ﴿ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا ﴾ "جزء من الآية 27 آل عمران".
وفى سورة المائدة فى قصة ابنَى آدم اللذين طلب الله منهما قربانًا وكما يقول الإمام ابن كثير فى تفسيره:
كان أحدهما صاحب حرث، والآخر صاحب غنم فلما طُلب منهما القربان، قدم صاحب الغنم أطيب غنمه وأسمنها وأحسنها طيبةً بها نفسُه، وقدم صاحب الحرث فقدم شر حرثه، غير طيبةٍ به نفسُه، فتقبل الله قربان صاحب الغنم ولم يتقبل قربان صاحب الحرث.
﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) ﴾ "المائدة".
فالمتقون الذين يُخلصون فى أعمالهم ويبتغون بها وجه الله هم الذين يقبل الله منهم.
وفى سورة الأحقاف نجد هذا الدعاء الضارع لمن بر بوالديه: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) ﴾.
هكذا "وأن أعمل صالحًا ترضاه" المهم أن يرضى الله عن العمل وصاحبه ويقبله.
ولذلك الإخلاص جاء بعد ذلك مباشرةً فى نفس السورة: ﴿ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ ۖ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (16) ﴾.
وقيل فى هذه الآية امتنَّ الله على البار بوالديه بثمرتين عظيمتين هما: قبول العمل، والتجاوز عن الخطايا.
وبعد هذا التطواف فى آيات القرآن الكريم، وبيان الآيات التى تحث على الحرص على قبول العمل آن لنا أن نسأل: متى يكون العمل مقبولًا ؟
يكون العمل مقبولًا إذا تحقق فيه شرطان:
الأول: الإخلاص لله، وابتغاء وجهه، قال الله تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾
"سورة البينة جزء من الآية 5".
وقال تعالى: ﴿ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ " جزء من الآية 110 بسورة الكهف".
وفى الحديث القدسى: " أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك فيه غيرى تركته وشِرْكَه".
الثانى: موافقة العمل لمقتضى الشرع أى متابعة النبى - صلى الله عليه وسلم - فهو صاحب الشرع – صلى الله عليه وسلم -.
وفى الحديث قال – صلى الله عليه وسلم -:
" من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد" أى مردود على صاحبه ( رواه الإمام مسلم فى الأقضية ).
قال الإمام ابن رجب: هذا الحديث أصل عظيم من أصول الإسلام، وهو كالميزان للأعمال فى ظاهرها.
كما أن حديث: " إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى" ميزان للأعمال فى باطنها.
فكما أن كل عمل لا يُراد به وجه الله – تعالى – فليس لعامله فيه ثواب، فكذلك كل عمل لا يكون عليه أمرُ الله ورسولِه فهو مردود على عامله، وكل مَنْ أحدث فى الدين ما لم يأذن الله ورسوله فليس من الدين فى شئ.
الخوف من رد العمل وعدم قبوله:
هذا من دأب الصالحين أنهم يعملون ويخافون ألا يقبل الله منهم، قال أبو الدرداء – رضى الله عنه -: ( لَئِن أستيقنَ أن الله قد تقبل منى صلاةً واحدة أحبُّ إلىّ من الدنيا وما فيها لأن الله يقول: "إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ"، وفى سورة المؤمنون: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) ﴾.
سألت عائشة – رضى الله عنها – رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن هذه الآية: " والذين يؤتون ما آتوا" قالت: أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون ؟ قال – صلى الله عليه وسلم – لا يا ابنة الصديق، ولكنهم الذين يصومون، ويصلون، ويتصدقون وهم خائفون ألا تُقبل منهم.
فاللهم اجعل عملنا مقبولًا مرضيًا عنه
وختامًا: اللهم إن كان لنا دعاء مقبول ونحن على أبواب رمضان فاجعله لأهل غزة أمنًا وأمانًا، وسلامة وإسلامًا وإطعامًا من جوع وأمنًا من خوف، وحفظًا من اليهود ومكرهم، والمسلمين وخذلانهم.
آمين، وإلى لقاء ....