عبدالفتاح عبدالرازق يكتب:
فى استقبال رمضان
يقول مولانا الدكتور محمود محمد عمارة:
يقف الصوم على رأس الوسائل التى يضبط بها المسلم علاقته بخالقه ومجتمعه بما يُسلحه به من ملكة التقوى وما تثمره التقوى من فضائل يحقق بها إنسانيته التى هى أساس سعادته.
وذلك قول الله – تعالى - فى سورة البقرة:
﴿ يا أَيُّهَا الَّذِين آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبِلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون ﴾ "الآية 183".
ويرسم حرف الترجى ( لعل ) بُعد المسافة بين الصائم وتحصيل التقوى، حتى لا يُظَن أن مجرد الإمساك عن الطعام والشراب سبيل لها.
فلا بد من لون من الصيام نخوض به على مدى شهر كامل طريقًا صعبًا محفوفًا بالمكاره فنكسب كل يوم أرضًا جديدة فى معركة القيم.
ومن رحمة الله تعالى أنه لم يترك الصائم وحده يُصارع الموج، بل إنه سبحانه وتعالى يُظلل الموقف بمقدمات تُعين المسلم على تنفيذ ما أمره الله به.
فلست وحدك أيها المسلم على الطريق فقد:
- كُتِبَ عليكم الصيام كما كُتِبَ على الذين من قبلكم.
- ثم هو أيام معدودات.
- ومن وراء ذلك كله إرادة اليُسر من الله.
- "يريد الله بكم اليُسر ولا يريد بكم العسر".
٤ - وفوق ذلك قوله تعالى في الحديث القدسي مختصًا عبادة الصيام بأنها وجزاءها من شأنه سبحانه وتعالى " الصوم لي وأنا أجزي به" (رواه البخاري ومسلم رحمهما الله)
وحين يتم الصيام في هذا الجو الظليل تتأصل في النفس ملكة المراقبة، ويتحقق التغيير المطلوب من داخل الإنسان الذي يؤدي الفريضة مشغوفًا بها مُقبلًا عليها.
وهنا ملحظ مهم:
وهو أنه كان من الممكن فرض الصيام بكلمة واحدة آمِرَة (كتب عليكم الصيام) وفقط.
وسوف تكون الاستجابة، وسوف يكون الالتزام بحكم الإيمان الذي هو عهد بين المسلم وربه.
ولكن المنهج القرآني قضى أن يكون الالتزام في إطار من حرية الإنسان عن طريق الإقناع المُفضي إلى الإقتناع.
لأن التقوى إذا تحققت أثمرت الإرادة الحرة، وبها يُصبح الصيام نعمة تُذكر فتُشكر﴿ولعلكم تشكرون﴾ [البقرة : ١٨٥].
وحينئذ تنهار حجة الذين يجعلون من الصوم حملًا ثقيلًا باسمه يسخطون على الناس ويتكاسلون في أعمالهم.
هؤلاء الذين يمنون على الله أن صاموا، والله تعالى يَمُنُّ عليهم أن هداهم بهذا الصوم إلى درس تربوي من شأنه أن يزودهم بالميزان الضابط للسلوك وصولًا إلى حياة أفضل في ظل حرية اكتسبوها بالممارسة، وكانوا بها أساتذة الدنيا ورجالها.
*ليكن أول شيئ نعمله ونحن في انتظار القادم الكريم:
١ - أن نلتفت التفاتة يسيرة إلى الوراء لنُحصىَ على أنفسنا السقطات والزلات، ولنمحوَ بماءِ الندمِ ما مضى من تفريطنا في حق ربنا، ثم الاقلاع عن كل ذنب والإنابة من كل إثم
﴿ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [ الأعراف : ٢٣[.
٢ - فإذا أفرغنا قلوبنا من ظلمات الشهوة بقي أن نملأها بنور الحكمة.
وهل يأتينا النور والحكمة إلا من كتاب ربنا؟ الذي جعل الله شهر الصيام ظرفًا لبداية نزوله كما في سورة البقرة الآية ١٨٥
﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾.
- فليكن شهر رمضان بدايةَ علاقةٍ استثنائيةٍ بين المسلم والقرآن، علاقةٍ قِوَامُها الفَهْمُ والتَّدبُّر ثم العمل.
ومن أجمل ما قرأتُ هذه المناجاة لهلال رمضان لمولانا الدكتور محمد عبد الله دراز - رحمه الله -
هلالَ رمضان.
-أَقبِل هلال رمضان لتُقيم في الناس قانون اللين والرفق بدل قانون البطش والقسوة.
- أقبل على الأرض فاملئها نورًا وسلامًا بعد أن مُلئت ظلمًا وظلامًا.
- أقبل على بيوت الله فاغمر ظاهرها وباطنها بنورك ثم افتح أبوابها ليلًا ونهارًا، ولا تُخْلِها ساعة واحدة من راكع أو ساجد أو قارئ أو ذاكر.
أعدها كما كانت أول يوم:
﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (36) رِجَالٌ لّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ (37) ﴾ [ النور : ٣٧،٣٦ ].
- ثم أطلّ علي أندية المسلمين ومجامعهم وهي لاهية لاغية لا خير في كثير من نجواها فألزم سُمَّارها الصوم عن اللغو والهجوم والرفث والفسوق وذكرهُمْ بدستور المجالس في القرآن.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [ المجادلة : ٩ ].
- أقبل شهر رمضان أقبل شهر القرآن فجدد عهدنا بكتاب الله ربنا عهدًا شاملًا كاملًا حتى نكون من أهله حقًا وصدقًا درسًا وفهمًا.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وإلى لقاء....