بعد مرونة الصرف.. الاقتصاد المصري يستعيد صلابته وقفزة في الاحتياطي النقدي
يشهد الاقتصاد المصري، خلال الفترة الحالية، حركة إصلاح مستمرة في محاولة للتعافي من الركود، مما كان له أثرا كبيرا في ثقة المؤسسات الدولية والنظرة المستقبلة، ظهر في تسجيل صافي الاحتياطيات الدولية للبلاد قفزة كبيرة بنهاية مارس من العام الجاري ليصل إلى 40.361 مليار دولار، وهو المستوى الأعلى في عامين.
قفزة باحتياطي النقد الأجنبي.
مركز فاروس للدراسات الاستراتيجية، اعتبر ذلك في تقرير مجمع استند على الاحصاءات المعلنة وفقا للبنك المركزي المصري، بأنه فصل جديد من النمو المرن والصلب يسطره الاقتصاد المصري، مع تجاوزه تحديات أزمة النقد الأجنبي التي مر بها مؤخرًا؛ معلنًا حقبة جديدة ذات آفاق أرحب وطموحات أكبر نحو استدامة واسعة النطاق وتنافسية وريادة إقليميًا وعالميًا.
في 3 أبريل 2024، أعلن البنك المركزي المصري على موقعه الإلكتروني تسجيل صافي الاحتياطيات الدولية للبلاد قفزة كبيرة بنهاية مارس من العام الجاري ليصل إلى 40.361 مليار دولار، وهو المستوى الأعلى في عامين، وذلك بعد تحقيق زيادة بنحو 5 مليارات دولار مقارنة بمستوى 35.311 مليار دولار بنهاية فبراير 2024.
وأظهرت البيانات أن أعلى احتياطي للنقد الأجنبي لدى المركزي المصري خلال العامين الماضيين كان في فبراير من 2022، حين سجل 40.991 مليار دولار.
وتتكون العملات الأجنبية باحتياطى النقد الأجنبى لمصر من سلة من العملات الدولية الرئيسية، هى الدولار الأمريكى والعملة الأوروبية الموحدة اليورو، والجنيه الإسترلينى والين اليابانى واليوان الصينى، وهى نسبة توزع حيازات مصر منها على أساس أسعار الصرف لتلك العملات ومدى استقرارها فى الأسواق الدولية، وهى تتغير حسب خطة موضوعة من قبل مسئولى البنك المركزى المصرى.
الاستثمار في مصر
يسلط الارتفاع الكبير الضوء على التحول في المشهد الاستثماري للبلاد وتركيز الحكومة على تعظيم الاستفادة من الموارد من خلال الاستغلال الأمثل وتحقيق أقصى مكاسب اقتصادية ممكنة.
بشكل رئيسي، ساهمت مدينة رأس الحكمة الواقعة على الساحل الشمالي للبلاد، والتي تُعد وجهة المستقبل؛ سياحيًا وعقاريًا، في دفع الاقتصاد نحو المسار السليم مجددًا مع توقيع دولة الإمارات صفقة استثمارية تاريخية تقدر بـ35 مليار دولار لتطوير المدينة المصرية، بحسب الحكومة المصرية.
وبموجب الاتفاق مع الإمارات، حصل صندوق الثروة السيادي القابضة (ADQ) في أبوظبي على حقوق التطوير في منطقة رأس الحكمة المتميزة والمطلة على ساحل البحر الأبيض المتوسط في مصر، مقابل 24 مليار دولار.
وأكد الصندوق اعتزامه استثمار 11 مليار دولار من الأموال الإماراتية المودعة بالفعل لدى البنك المركزي المصري، في مشاريع إضافية بالعقارات وغيرها من المشاريع المتميزة في مصر.
وقد مهّدت التحويلات النقدية الأولى من الصفقة، السبيل نحو استهداف سعر صرف مرن للجنيه المصري مقابل العملات الأجنبية، والذي أدى بدوره إلى تأمين برنامج موسع لصندوق النقد الدولي بقيمة 8 مليارات دولار.
وفي المجمل، تعهدت مؤسسات الإقراض العالمية والدول المجاورة بتقديم أكثر من 50 مليار دولار في صورة استثمارات وقروض ومنح لدعم أكبر دولة في الشرق الأوسط من حيث عدد السكان.
وفي الأسابيع الأخيرة، كثف المستثمرون الذين أغرتهم العوائد المرتفعة والجنيه الأرخص، مشتريات السندات المحلية المصرية بوتيرة قياسية. ويشهد رقم الاحتياطيات زيادة أخرى في أبريل مع توقع المزيد من التدفقات، بما في ذلك المزيد من أموال صفقة الإمارات، وسيولة من صندوق النقد قيمتها 820 مليون دولار، كما أوردت وكالة بلومبيرج.
ثقة عالمية واسعة في الاقتصاد المصري
وفقا لمركز الدارسات، فإن الوضع الاقتصادي الذي شهدته البلاد خلال الفترة الماضية كان صعبًا، ولا يزال الموقف صعبًا، كما أوضح الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال مشاركته في 6 أبريل 2024 بحفل إفطار الأسرة المصرية الذي شهدته العاصمة الإدارية الجديدة.
وقد أكد الرئيس السيسي على التزام حكومته بالاستمرار في تنفيذ إجراءات إصلاح المسار الاقتصادي القائمة على توطين الصناعة والتوسع في الرقعة الزراعية وزيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة ودعم القطاع الخاص مع توفير الحماية اللازمة للطبقات الأولى بالرعاية.
خطط مستقبلة للاقتصاد المصري
وستشهد المرحلة المقبلة الاستمرار في تنفيذ المخطط الاستراتيجي للتنمية العمرانية، واستكمال المدن الجديدة من الجيل الرابع، وتطوير المناطق الكبرى، واستكمال برنامج سكن لكل المصريين الذي يستهدف الشباب ومحدودي الدخل.
فيما توقع بنك الاستثمار الأمريكي جولدمان ساكس أن يتسارع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لمصر من تقديرات تبلغ 3.5% في العام المالى الحالي، الذي ينتهي يوم 30 يونيو 2024، إلى 4.9% في العام المالي المقبل 2024/2025.
ونقل بيان لوزارة المالية المصرية، صدر في 6 أبريل 2024، عن بنك جولدمان ساكس توقعه أن يتراوح النمو في المتوسط بين 6-6.5% اعتبارًا من العام المالي اللاحق فصاعدًا.
وأضافت الوزارة أن بنك جولدمان ساكس يتوقع نجاح الحكومة المصرية في تحقيق فائض أولي مستهدف العام المالى المقبل بنسبة 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وأن يظل الفائض عند هذا المستوى على مدى السنوات المالية الثلاث التالية.
خفض العجز الكلي للموازنة على المدى المتوسط
وكان وزير المالية، محمد معيط، قال الشهر الماضي إن مصر تستهدف تسجيل فائض أولي بنسبة 3.5%، وخفض العجز الكلي على المدى المتوسط إلى 6% من الناتج المحلي الإجمالي.
وكانت الحكومة توقعت في بيان موازنة العام المالي الجاري، 2023/2024، الذي بدأ في 1 يوليو 2023، عجزًا بنسبة 6.9% من الناتج المحلي.
وأشاد جولدمان ساكس، وفقًا لوزارة المالية، بنجاح الحكومة في تحقيق فائض أولي في الموازنة على مدى السنوات الست الماضية بمتوسط 1.3% من الناتج المحلي الإجمالي وهو أمر “يثير الإعجاب عند الوضع في الاعتبار ما يواجهه الاقتصاد المصري من تحديات في تلك السنوات التي تشمل جائحة كورونا، وأدت إلى تراجع الإيرادات وارتفاع ضغوط الإنفاق وعجز متسع في العديد من الأسواق المتقدمة والناشئة.
ويتوقع البنك أن يظل العجز الإجمالي للموازنة مرتفعًا نسبيًا بسبب ارتفاع تكاليف الفائدة، على أن يتراجع إلى 5% فقط من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات العشر المقبلة.
ورجح البنك، حسبما نقلت وزارة المالية، أن يظل إجمالي احتياجات الحكومة التمويلية مرتفعًا، وألا ينخفض دون 30% من الناتج المحلي الإجمالي في غياب التقدم في تمديد متوسط أجل الدين المحلي.
مرونة سوق الصرف
وكانت كل من وكالتي التصنيف الائتماني ستاندرد آند بورز وفيتش أصدرتا تقاريرًا عن مصر بعد قرارات الشهر الماضي، التي شملت تخفيض قيمة الجنيه المصري ورفع نسبة الفائدة بمقدار 600 نقطة أساس لتصل إلى 27.25%.
وعدّلت وكالة ستاندرد آند بورز نظرتها المستقبلية لمصر إلى إيجابية من مستقرة مع تثبيت التصنيف الائتماني السيادي لمصر بالعملة الأجنبية والمحلية طويل وقصير الأجل عند “B-/B”.
وفي تقرير فيتش، رجحت الوكالة أن تتحسن سيولة العملات الأجنبية في القطاع المصرفي بقدر كبير بعد صفقة رأس الحكمة الاستثمارية مع الإمارات بقيمة 35 مليار دولار، وخفض قيمة الجنيه بنحو 40%، والاتفاق مع صندوق النقد الدولي على اقتراض 8 مليارات دولار.
وقالت إن هذه التطورات يجب أن تكون محايدة لتصنيفات البنوك المصرية المقيدة بالتصنيف السيادي B- مع نظرة مستقبلية مستقرة.
وكانت الحكومة المصرية وافقت مؤخرًا على موازنة العام المالي الجديد 2024/2025 الذي يبدأ في 1 يوليو المقبل، بمصروفات تبلغ 6.4 تريليون جنيه مصري (135.6 مليار دولار) وإيرادات 5.05 تريليون جنيه مصري (107 مليارات دولار).
وذكر بيان عن اجتماع لمجلس الوزراء، أن الموازنة تضم إلى جانب الجهاز الإداري، مصروفات وإيرادات “جميع الهيئات الاقتصادية” الأخرى.
كما تضع سقفًا قانونيًا على دين الحكومة العامة “لا يمكن تجاوزه إلا بموافقة رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء”.
وتستهدف مصر خفض نسبة الدين إلى أقل من 80% من الناتج المحلي الإجمالي خلال 3 سنوات مقابل نحو 95% توقعتها الوزارة العام الماضي.