زواج القاصرات..عودة تجارة الرقيق في اليمن
ضجت وسائل الإعلام خلال الأربعة والعشرين ساعة الماضية بأخبار واقعة بيع طفلة يمنية بمحافظة ريمة شمال اليمن من قبل والدها وخالتها زوجة والدها لرجل آخر قال ناشطون أنه ينوي الزواج من الطفلة قبل أن تقوم زوجة المشتري بتهريب الطفلة..
الطفلة التي تبلغ من العمر 11 عام فقط تعرضت لتعنيف أسري ومعاملة قاسية من قبل والدها وزوجته وأخوها.
الطفلة الضحية تدعى علا عبده غانم، من منطقة مزهر محافظة ريمة اليمنية، ظلت منذ فقدت والدتها تعيش تحت التعذيب اليومي إذ استخدم أقاربها كافة أشكال التعذيب تجاه الطفلة حتى فقدت النظر في إحدى عينيها، بالإضافة إلى معاناتها من صعوبة النطق وإصابتها بحالة نفسية حسب شهود عيان..
عم الطفلة بدوره قام باستخراج وثائق لشهادة ميلاد مزورة جرى فيها تزوير عمر الطفلة شروعاً بتزويجها من الرجل الذي بيعت له بمبلغ مائتي ألف ريال يمني فقط..
وكانت طفلة أخرى تدعى ازهار عمرها لا يتعدى الـ10 سنوات، في نفس المنطقة بمحافظة ريمة جرى عقد قرانها وزفافها من رجل كهل اسمه مجاهد مهدي المسوري، يبلغ من العمر 74 عام، قبل عدة سنوات واثارت واقعة الزواج تلك سخط الناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي تاريخ 31 أغسطس عام 2019 قام رجل من ابناء محافظة إب بشمال اليمن ببيع طفلته وتدعى "ليمون" التي
لا يتجاوز عمرها 8 سنوات لشخص آخر مقابل مبلغ مالي بهدف سداد ديون عليه حسب ما تداولته وسائل الإعلام حينها، قبل أن يقوم الأهالي بجمع التبرعات وسداد المبلغ وتحرير الطفلة ليمون قبل تسليمها للمشتري..
وفي العام 2015م توفيت طفلة في الثامنة من عمرها تدعى “روان” متأثرة بجراح عميقة في ليلة زفافها حيث تزوجها رجل في الأربعين من عمره عندما قام بنقل الطفلة روان -التي كانت لا تعي ماذا يعني الزواج- لأحد فنادق بمدينة حرض بمحافظة حجة شمال اليمن واغتصبها بوحشية لتلقى حتفها متأثرة بجروح عميقة وتمزق في الرحم والأعضاء التناسلية..
وفي وقت سابق قبل الحرب المشتعلة في اليمن قام أحد الأشخاص ويدعى عبده محمد علي قاسم من أهالي مديرية جبلة بمحافظة اب شمال اليمن بتزويج طفلته اروى البالغة من العمر 8 سنوات من رجل متقدم في السن، لكن الطفلة اروى التي تمكنت من الهرب وساعدتها طبيبة في احدى المستشفيات سلمتها للجهات الأمنية التي استدعت والدها وقامت بحبسه ومن ثم تطليق الطفلة وتحريرها..
وفي تاريخ 4 نوفمبر 2022م قضت محكمة دمت الابتدائية، بفسخ عقد زواج طفلة تدعى نُهى جميل تبلغ من العمر 10 أعوام، بعد زواجها على رجل خمسيني وتم إعادة الطفلة لأمها وحبس الأب والزوج والأمين الشرعي.
وفي أغسطس 2020م أبطلت محكمة وصاب العالي الابتدائية، عقد زواج طفلة تدعى سعود يحيى محمد (10 أعوام) كان والدها زوجها على كهل يبلغ من العمر 62 عام، واعتبر حكم المحكمة ذلك الزواج غير قانوني.
وكانت الطفلة سعود حاولت الانتحار أكثر من مرة وتعاني من حالة نفسية بسبب ذلك الزواج الذي لا تفهم معناه..
حيث لجأت سعود لجأت لمنزل أحد مشائخ المنطقة لحمايتها.
حالة اخرى كانت قصتها قد نالت شهرة عالمية هي قضية الطفلة نجود الأهدل (8 سنوات) التي كانت اسرتها تعيش في فقر مع أشقائها الـ13. غير أن هذه الحالة مغايرة لأن زوجها أجبرها على المعاشرة وقد اعترف بذلك. وتمكنت نجود من الهرب من زوجها واللجوء إلى المحكمة وقضت محكمة غرب صنعاء ببطلان زواجها وأمرت بفسخ عقد زواج الطفلة نجود محمد علي، وذلك بعد شكوى تقدمت بها نجود ضد والدها محمد علي الأهدل وزوجها فائز علي ثامر يوم الثلاثاء 15-4-2008م. قصتها حينها كانت قد نالت شهرة عالمية من اهتمام وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية والإنسانية على مستوى العالم، وفازت الطفلة نجود بالعديد من الجوائز منها جائزة "امرأة العام" وتمنح جائزة “امرأة العام” منذ 19 عاماً، برعاية شركة لوريال، وتكرم نساء قدمن مساهمات ملموسة في مجالات الترفيه والاعمال والرياضة والازياء والعلوم والسياسة.
حيث جعلتها قصة تمردها على الزواج القسري شخصية دولية شهيرة، وأبرزت قصتها في العديد من الصحف والمجلات ومواقع التواصل الاجتماعي بالإضافة إلى القنوات الفضائية. كما اختيرت نجود لجائزة اخرى هي صندوق مبادرة امرأة العام، من نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث يتم اختيار واحدة من الحاصلات على جائزة "امرأة العام" لجمع الاموال لصالح مشروعها.
وقصة أخرى للطفلة ندى الاهدل..
تلك القصة التي بدأت في يوليو 2013م عندما ظهرت طفلة يمنية عمرها 11 عام على شريط في موقع يوتيوب لمدة دقيقتين شرحت فيه الضغوط التي مارسها أهلها لإجبارها على الزواج، وتحدثت فيه عن فرارها من أهلها تجنبا لزواج قسري وشيك، الامر الذي تسبب بضجة اعلامية كبيرة.
تنتمي ندى إلى عائلة بسيطة غير مقتدرة ماليا كانت تعيش في صنعاء عند عمها المتكفل برعايتها، لعائلة ندى تاريخ مع الزواج المبكر فقد تزوجت خالتها وهي بعمر أقل من 13 سنة لتنهي حياتها بالانتحار حيث احرقت نفسها لمشاكلها الزوجية..
أخذ والد ندى ابنته من عمها لغرض أن تزور امها واخواتها لتتفاجئ فيما بعد بأن أهلها يريدون تزويجها فقررت الفرار إلى عمها، بالفعل صباح الأحد 7-7-2013م هربت ندى إلى بيت عمهاإلا أنهالم تجده لانه كان مسافرا فاضطرت إلى الفرار برفقة امرأة إلى مدينة الحديدة حيث التقت بعمها، في ذلك الاثناء قدم أهل البنت بلاغا إلى الشرطة بأن البنت قد تعرضت للخطف، قبل أن ياخذها عمها إلى مركز الشرطة لتوضيح الامر لهم، ووسط ضغوط وتهديد من منظمة سياج سلم العم ندى إلى اتحاد نساء اليمن، ليتراجع والد البنت عن الدعوى المرفوعة ضده ويتعهد امام الاعلام بانه لا يزوجها قبل بلوغها السن القانوني.
نشرت ندى على حسابها على الفيسبوك مقطع الفديو في 7 يوليو 2013، وفي 21 من نفس الشهر نشر معهد بحوث إعلام الشرق الأوسط الفديو لينتشر بشكل كبير وترجم للإنكليزية ليحصل على أكثر من 7 ملايين مشاهدة خلال 3 أيام ويثير انتباه وسائل اعلام عربية واجنبية وقد قالت ندى في الشريط:
(انا صح اني هربت من أهلي.. انا لا اريد ان أعيش معاهم.. اريد ان أعيش عند عمي..اين براءة الطفولة.. اين براءة الأطفال عندما تزوجوهم كذا... انا بحل مشكلتي صح؟.. ولكن بعض الأطفال لا يستطيعوا حل مشكلتهم.. ربما يموتوا ربما ينتحروا.. ربما يفعلوا ما يدور براسهم لأنهم أطفال لا يعلمون بشيئ... لانهم لم يتعلموا ولم يدرسون ولا شيء.. يعني ماهو ذنبنا نحن... لست الوحيدة.. ربما كل الأطفال.. هنا أطفال كثيرين.. بعض الأطفال رموا بأنفسهم في البحر ماذا بعد !... ماهي البراءة هذه؟.. هذه ليست براءة.. صحيح اني هربت إلى عند عمي.. وكان غير موجود.اتصلت بعبد الجبار يأخذني.. وعبد الجبار اعطاني بنت وسافرت انا وهي إلى الحديدة.. وعمي عندما علم بالموضوع جاء الي... وكمان امي بلغت علينا الشرطة وعمري 11 سنة وتريد ان تزوجني.. يعني لا يوجد حياة لايوجد تعليم لايوجد قوة لايوجد في قلوبهم رحمة..ايش هذي التربية معاهم ! الموت ارحم لي اني اموت ولا ابقى.. انا أفضل ان أكون عند عمي ولا أكون عندهم.. يقتلوني يهددوني يقولو لي إذا رحتي عند عمك بنقتلكايش من تهديد يهددوا الأطفال... يرضيكم مثلي يزوجوني.. يرضيكم.. وكمان انا القتل عندي عادي.. ولا أعيش عندهم ولا أعيش عندهم. قتلوا احلامنا قتلوا كل شي فينا.. يعني ما ماذا بعد.. هذي ليست تربية.. هذي اجرام أجرام. خالتي عمرها ثلاث عشر سنة عاشت سنة مع زوجها وسكبت البترول على جسمها وماتت.. يعني يأخذ الحديد وكان يسكر وفيه مرض.. وفيه كل شيء.. يرضيكم يرضيكم اني اتزوج.يرضيكم ! يا امي اقنعي مني يا أهلي اقنعوا مني.. اني لا اريدكم.. خلاص دمرتواحلامي.. كلها دمرتوها..)..
اهتمت وسائل المحلية والأجنبية بنشر قضية ندى الاهدل على اعتبار ان هذا الموضوع يمثل تجسيدا واقعيا لمشكلة زواج القاصرات في اليمن حيث نشرت بي بي سي قضيتها تحت عنوان «نداء فتاة على الإنترنت يسلط الضوء على محنة العرائس الصغيرات في اليمن»، كما ظهرت الفتاة لتشرح قضيتها في قنوات فرانس 24. قناة الجديد وقناة الميادين إضافة إلى العديد من التقارير الصحفية ولتكون ضمن أشهر 29 فتاة لعام 2013 حسب موقع "towardthestars". وتناولت القصة في وسائل اعلام من مختلف دول العالم.
اليوم أصبحت ترأس مؤسسة ندى لحماية حقوق الطفل في اليمن ورشحت لجائزة نوبل للاطفال العالمية للعام 2018 ومولت مشروعين الأول ملاذات آمنه لمساعدة الفتيات، واحلامنا تتحقق لتعليم الفتيات النازحات في اليمن للغة الإنجليزية، من عائدات كتابها الذي طبع بالفرنسية والهولندية ولغات أخرى.
ألفت ندى كتاباً عن قصتها بعنوان (nada alahdal La rosée du matin) (French): وعرض فيه اعترافات والديها بمحاولة تزويجها، وموقفها ضد زواج القاصرات على خلفية ما حدث لخالتها التي اقدمت على الانتحار حرقاً بعد تزويجها بسنة، في عمر 11 سنه، واختها التي حاولت الانتحار حرقاً ايضاً، في عمر 12 سنه، الكتاب بالاشتراك مع المخرجة اليمنية خديجة السلامي، والتي تم نشرها في 12-03-2015 من قِبل دار النشر الفرنسية ميشل فون، ثم توفرت نسخة أخرى باللغة الهولندية على أمازون بعنوان (Jedenastoletnia zona) (Polish).
شاركت في الفلم السينمائي العالمي أنا نجود بنت العاشرة ومطلقة الذي فاز بالعديد من الجوائز العالمية ورشح لجائزة أوسكار، وكان دورها انقاذ نجود من الزواج وبيع الخاتم الذي بيدها لشراء ألعاب وممارسة حقوقها الطفولية..
هذا بالإضافة إلى عشرات القضايا المماثلة لزواج القاصرات في اليمن، ناهيك عن المئات من الحالات التي تحدث ولم تتناولها وسائل الإعلام.
وبما أن القانون اليمني يجرم المتاجرة بالبشر، كما نصت المادة 248 من قانون العقوبات اليمني، التي تنص على حبس كل من "باع أو تصرف بإنسان" مدة لا تقل على عشر سنوات..
إلا أن المشرع اليمني الذي حدد سن الزواج بـ 15 عام لم يجرم زواج الاطفال تحت هذا السن رغم مطالبة الكثير من نشطاء منظمات المجتمع المدني والمثقفين وخبراء الاجتماعيين والأطباء وغيرهم وكذلك رغم المناشدات التي أطلقتها منظمات حقوقية وإنسانية للحكومة اليمنية لمعالجة هذه الظاهرة التي تشكل انتهاك خطير لحقوق الاطفال في اليمن. لأن تجاهل الحكومة اليمنية تجاه هذه الظاهرة يتعارض مع حقوق الطفل وفق المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها اليمن وأصبحت بموجبها جزءاً من تشريعاتها الوطنية ومن التزاماتها أمام المجتمع الدولي..
ودائما تشير تقارير المنظمات الدولية إلى معاناة الطفولة في اليمن وسوء المعاملة التي يتعرض لها الأطفال وفي أوقات سابقة أوضح صندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) ان ربع الفتيات في اليمن ما زلن يتزوجن في سن الخامسة عشرة..
لكن إذا ما تناولنا مثل هذه الظاهرة سنجد أن من اهم أسباب زواج القاصرات في اليمن هي الأوضاع المعيشية المتدهورة جراء الحرب والصراعات السياسية بالإضافة إلى غياب حقوق المرأة جراء الضغوط التي مارستها الجهات المتشددة باسم الدين، كما أن للمشكلة ارتباط بالعادات والتقاليد الاجتماعية للقبيلة ومسميات العار التي تغلف نظرة المجتمع تجاه المرأة.