علاء الجمل يكتب: حكومة فاشلة وشعب مظلوم
وسط تصفيق حاد من الإعلام والبرلمان والنخبة سارت الحكومة خلال السنوات الماضية إلى مستنقع الأزمات بكل ثبات وإصرار وثقة مراهنة على الحظ وحده لا العمل والإنتاج .. سارت وهي توزع تصريحات المنتصرين والناجحين.. هذا المشروع سيحقق طفرة للشعب الذي لم يجد من يحنو عليه، وهذا المخطط سيحولنا إلى أوروبا وهذه المزرعة ستحقق الاكتفاء الذاتي وفائضاً يصدر إلى الخارج مقابل العملة الصعبة ، وهذا الكوبري سيعبر بنا إلى عاصمة جديدة خيالية ، حيث الشوارع والأنوار والزخارف كما باريس وأكثر.. سوف يذهب الموظف البسيط إلى عمله بالمونوريل وربما يتناول إفطاره وهو يطل على الحدائق واسطبلات الخيول وملاعب الجولف .. هنبقى في حتة تانية خالص.
فجأة ، انهالت علينا اكتشافات الغاز والنفط والذهب، هلل الإعلام على طريقة علي بابا والأربعين حرامي: دهب ياقوت مرجان .. أحمدك يارب، وكان صوت التصفيق عالياً وضجيج الوعود بمستقبل مشرق يغطي على نصائح الشرفاء بالابتعاد عن الطرق الوعرة وعدم المقامرة بمستقبل وطن يزيد عدد سكانه على 115 مليون إنسان.
نصب الإعلاميون السيرك وكل منهم أخذ دوره..هنا مهرج بملابس مززركشة وملامح صفراء يضحك الحضور حتى البكاء ، وهذا ساحر يستطيع أن يحول المنديل إلى عصفور والقرارات والمشاريع العادية إلى مكاسب وانتصارات ، وثالث يجيد اللعب بالبيضة والحجر ، ورابع يقرأ الفنجان ويطلق الوعود ويبشرنا بمستقبل لن نجد فيه فقيراً في مساحة مصر ،المليون كيلومتر مربع (إلا حتة) وخامس يتحدث في الدين ويعدد فوائد الصبر والطاعة وجنات النعيم التي تنتظر الفقراء في الآخرة بينما يتقاضى هو عشرات الملايين سنوياً، وسادس وسابع وعاشر، يجلس أمامهم الجمهور مشدوهاً لا فرق بين الكبير والصغير أو المتعلم والأمي، كلهم سواء في حضرة السيرك الوطني يسمعون ويصفقون ويأوون إلى فراشهم حالمين بالثراء والرفاهية التي تنتظرهم.. الأمر ليس بعيداً ، دا خلال 6 شهور بس.
شخصيات أكاديمية ونخبوية تصدرت الشاشات وألقت تصريحات بعيدة عن أسس الإدارة ومفاهيم التجارة والاقتصاد والبزنس، بعيدة تماماً عن الواقع .. تصريحات تشبه المخدر الموضعي الذي يزول تأثيره سريعاً فيضع المريض وجهاً لوجه أمام الألم والمعاناة .. بعضهم أكد أن الدولار لن يجد من يشتريه خلال شهور قليلة وآخر وعد الجماهير بثراء يفوق الخليج وأوروبا وخبير اقتصادي خرج يؤكد أننا سنتجاوز النمور الآسيوية ، أصبحنا نخيف العالم الذي ينظر إلينا كقوة اقتصادية هائلة .. خلاص هنيم الصين وأمريكا من المغرب.
وظهرت بيننا طاقات وقدرات مذهلة .. طالب من المنوفية يخترع سيارة كهربائية تستطيع السير والغوص والطيران ، وطالب آخر ( في المنوفية برضو) يخترع جهازاً يشفي من الأمراض المستعصية وثالث يبتكر عصاً تحول رمال الصحراء إلى سبائك ذهبية عيار 24 مش 18.. وهكذا كانت تدار الأمور.
كان مشهداً عبثياً بامتياز لا مكان فيه لعاقل، يبحث عن معلومة أو بيانات وأرقام وهو أمر بات محظوراً في وقت تحمل فيه الجرائد عناوين موحدة وبيانات مكررة ، وأرقام مضللة.
وفجأة تبخرت الوعود وعزف الإعلاميون والنخبة سيمفونية ضربات القدر التي ألفها بيتهوفن في أكثر فترات حياته قسوة .. اصطفوا أمام الجماهير العريضة وبدأ العرض الدرامي ..العالم كله في أزمة، كورونا خسرتنا كتير ، حرب روسيا وأوكرانيا رفعت أسعار الغذاء في العالم كله مش عندنا بس ، هنخفض الجنيه ، ولازم نشيل الدعم على المحروقات ، هنآخد قروض ، وهنخفض الجنيه تاني، الأزمة مستمرة هنخفض العملة تالت ورابع وعاشر، اتحملوا السنة دي ، واللي بعدها ، طيب كمان سنة ، الظروف صعبة، ساعدونا والدنيا هتبقى حلوة كمان 10 سنين ، وضعنا صعب اقفوا معانا عشان مستقبل عيالكم لما يكبروا.. وعدت سنوات وعصفت مغامرات وعشوائية حكومة لا تؤمن بدراسات الجدوى بطموحات جيل كامل ..جيل يناير ويونيو.
تحمل الشعب لمدة 10 سنوات كاملة أخطاء الحكومة وقلة كفاءتها.. تجاوز المصريون صدمة إلغاء الدعم ثم ارتفاع الأسعار والتضخم وقلة الأجور وزيادة الضرائب وأصيب الناس بالصدمة من الغلاء والضغوط الاقتصادية وكثرة الضرائب والأعباء، وانتقلت الحكومة إلى الفصل الثاني من المسرحية الهزلية، وعلى عكس ما يحدث في قاعات المسرح انطفأت الأنوار فور الانتهاء من العرض الذي كان ضحيته المشاهد.
الحكومة التي وعدت الناس بالنعيم خالفت الوعود وقررت فتح أبواب الجحيم على الشعب كمكافأة نهاية الخدمة على الصبر والمساندة ،حيث قطعت الكهرباء عن القاهرة والمحافظات(باستثناء منتجعات العلمين) وهي مرفق حيوي مرتبط بالحياة اليومية للناس في شهر وصفته التقارير الدولية بأنه الأكثر سخونة في التاريخ وبعدما تعالت الأصوات الغاضبة خرج رئيس الوزراء ببيان هزيل ومحبط يحمل معلومات غير دقيقة ولا واقعية.
وتضاربت التصريحات الحكومية مع أخرى رئاسية لتكشف مدى تخبط مدبولي ومنظومته، ففي فبراير الماضي قال الرئيس السيسي في لقاء خلال القمة العالمية للحكومات بالإمارات إن ما انفق على الكهرباء يزيد على 1700 مليار جنيه بينما خرج المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء مؤكداً أن حجم الانفاق على محطات الكهرباء بلغ 355 ملياراً فقط منذ 2014 والفرق بين الرقمين كبير جداً وواكب ذلك حملة تصريحات حكومية وإعلامية أزعجت الشارع بدلاً من طمأنته فما يقوله وزير الكهرباء نهاراً ينفيه رئيس الوزراء ليلاً ..وهكذا.
المثير للشفقة والسخرية هي أن يتحدث مصطفى مدبولي عن مؤشر الازدهار العالمي مؤكداً أن مصر تقدمت عدة مراكز إلى الأمام وهو ما تنفيه القائمة الموجودة بالموقع الرسمي للمؤشر والتي تكشف حجم التراجع الذي أصاب مصر مؤخراً ، فبينما حلت تركيا في المركز 95 والمغرب 96 وتونس 99 ولبنان المأزومة 112 جاءت مصر في المركز 121 وسبقتها دول أفريقية كثيرة كانت حتى وقت قريب تعاني من مجاعة وأزمات طاحنة.
الحقيقة هي أن الحكومة فشلت في تحقيق الحد الأدنى من احتياجات المصريين وسحقت الطبقة المتوسطة بالأعباء حتى لامست الفقر بينما الطبقة الفقيرة باتت في ذمة الله، وفي الوقت الذي مارست فيه الحكومة السير بخطط غير مدروسة كانت دولاً أخرى أكثر كثافة وأسوأ حظاً في الموارد تخطو إلى الأمام لتحقيق تطلعات شعوبها .